البرلمان الأوروبي..مسيرة حافلة بـ”الفضائح” و”الرشاوي” !

يقبع اليوم العديد “نواب البرلمان الأوروبي” تحت طائل الإتهامات الخطيرة والتحقيقات الأمنية والمحاكمات المتتالية خاصة بعد فضيحة “الرشاوي” التي دمرت ما تبقى من مسيرة “هيكل مؤسساتي قاري، كان في الأمس يدعي أنه حامل للواء الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية التعبير ليكتشف العالم في الأخير أنه مجرد خرقة بالية ترزح تحت رحمة “عصابة” من النواب يخدمون مصالح بلدانهم ويقدمون خدمات مشبوهة لمن يدفع أكثر،  تمتد هذه الصفقات التي تتم تحت الطاولة لعقود من الزمن حسب محتوى التحقيقات القضائية، حتى وأن كان من باب تلفيق “الأكاذيب والإدعاءات المغلوطة والمفضوحة ضد الدول التي لا تسيير في فلكها ولا تسبح بحمد البرلمان والإتحاد الأوروبي وسياستهما المفضوحة و بشعارها الخفي “الكيل بالمكيالين” !

الحسناء الفاسدة من شاشة التلفزيون إلى حياة “النوادي الليلية الفاخرة”! 

كانت المذيعة اليونانية السابقة “إيفا كايلي” تعيش حياة بسيطة كمقدمة برامج في القنوات اليونانية، قبل أن تلج عالم السياسة في البرلمان الأوروبي، فأصبحت تتمتع “بحياة أشبه بنجمة سينمائية، حيث كانت السياسية اليونانية تقضي أوقات فراغها وعطلها على اليخوت الفاخرة وبالنوادي الليلية لشواطئ بحر إيجة، مع عارضات الأزياء ومشاهير الفن والسياسة.”

هذه عينة صغيرة من الفساد تضرب رأس أكبر هيكل مؤسساتي في الإتحاد الأوروبي، فالبرغم أن مذيعة الأخبار التلفزيونية السابقة، 44 عاما، تقبع اليوم تحت صرامة الإقامة الجبرية  مع وضع سوار الكتروني عقب خروجها السجن قبل شهريين، بعد اتهامها من بـ”قبول أموال وهدايا إلا أن فضيحة الفساد نزعت كل مصداقية من البرلماني الأوروبي، إلا أن البرلمان فقد مصداقيته حتى عند الشعوب الأوروبية وهو الأمر الذي سيؤثر بشكل كبير في الإنتخابات المقبل في شهر ماي 2024.

وبالعودة إلى تفاصيل الفضيحة الخطيرة قبل شهور والتي تعد الاكبر في تاريخ هذه المؤسسة ، فقد برز إسم إيفا كايلي وصديقها جيورجي في “شبكة” عضو البرلماني السابق، بيير أنطونيو بانزيري الشخصية المركزية في تحقيق الفساد، في أعقاب مداهمات نفذتها الشرطة البلجيكية لمنازل نواب حاليين وسابقين، ومعاونين برلمانيين ورؤساء منظمات غير حكومية عملت مع النواب.

وتؤكد التحقيقات بأن “بعض الدول استخدمت بانزيري وشبكته لتحسين صورتها في بروكسل قبل كأس العالم لكرة القدم”، كما يشتبه المحققون في أن الإيطالي، البالغ من العمر 67 عاما، “تلقى أيضا رشاوى وهدايا من المسؤولين المغاربة لأكثر من عقد، مقابل التأثير على سياسات الإتحاد التي تهم المغرب”، بحسب الصحيفة. 

وقد بدأ البرلمان الأوروبي، قبل شهور، إجراءات في طلب رفع الحصانة  عن مشتبهين فيهما آخرين، هما الإيطالي أندريا كوزولينو والبلجيكي مارك تارابيلا وكلاهما ينتمي للتيار الديمقراطي الإشتراكي بالبرلمان.

أكبر فضيحة في التاريخ البرلمان الأوروبي ..لكن ليست الأولى من نوعها !

تقف أرووبا دائما والغرب بشكل عام، موقف الحامليين لمشروع الحضاري والثقافي الأسمى في العالم خدمة للإنسانية التي يفتقدونها لما يتعلق الأمر بمصالحهم ومخططاتهم المشبوهة ، فالأمس كانت الدول الأوروبية تستعمر دولا بدواعي رنانة ومثالية على غرار نقل حضارة الرجل الأوروبي المبنية على النهب وسلب ثروات الدول المتخلفة، نفس السياسة تتكرر اليوم بشكل أو بأخر من أجل التأثير على الدول التي تنأى بنفسها للحفاظ على إستقالها وسيادتها، فتلج هذه الكيانات المشبوهة إلى الضغط في شكل هياكل مؤسساتية تفوح منها روائح الفساد والفضائح في كل مرة بغية تحقيق مكاسب ومصالح تخدم بلدانها حتى على حساب المبادئ الإنسانية المثلى المتعارف عليها.

يقول الباحث العراقي، خضير عباس الدهلكي، في ورقة بحثية نشرت في مركز البيان للدراسات والتخطيط قبل شهور، بأنه “ليست المرة الأولى التي تحصل فيها فضائح فساد مالي وغيره في البرلمان الأوروبي، إذ سبق و أن حصلت عديد من الفضائح قام بها أعضاء في البرلمان الأوروبي، الذي يُسمح لمئات من جماعات الضغط بالعمل والتأثير على قراراته، ولا تعمل هذه الجماعات لصالح الدول فقط، وإنَّما لصالح قطاعات مثل الزراعة، والصناعة، والشركات الكبرى.

كما توجد لكثير من المقاطعات الإقليمية في الدول الأعضاء ممثليات، أو أشخاص يعملون لصالحها، فضلاً عن بعض الأعضاء السابقين في البرلمان الأوروبي الذين يعملون كمؤثرين داخله لصالح جهات أخرى”، فعلى سبيل المثال تنفق شركة (فولكس فاجن) حوالي (3) ملايين يورو سنوياً على ممارسة الضغط في بروكسل، وخمسة من أعضاء جماعات الضغط المرتبطة بها لديهم تصريح دخول إلى البرلمان الأوروبي. عقدت شركة صناعة السيارات الألمانية -في عام 2022- ستة إجتماعات مع مفوضية الإتحاد الأوروبي، و في غضون ذلك فقد إتسعت دائرة الإتهامات لتشمل مسؤول نقابي دولي، كان سابقا على اتصال بمنظمة “فايت امبيونتي” (مكافحة الإفلات من العقاب)، وقال إنه تلقى تبرعا بحوالي 50 ألف يورو من المنظمة، بعضها لسداد كلفة حملته ليصبح أمينا عاما للاتحاد الدولي لنقابات العمال. (تفاصيل أكثر في الدراسة البحثية https://www.bayancenter.org/2023/03/9468/).

في سياق متصل فقد سبق و كشفت المفوضية الأوروبية  في تقريرها حسب نفس الباحث بأن الفساد يُكلف الإقتصاد الأوروبي 120 مليار دولار يورو سنويا وهو الأمر الذي يُشكل ضربة قاصمة في مصداقية المؤسسة البرلمانية لدى الشعوب الأوروبية وهو الأمر الذي من شأنه أن يخُلف تغييرات كثيرة في الفترات المقبلة خاصة الإنتخابات القادمة، ليس هذا فقط بل ذهب العديد من المتتبعين للشأن الأوروبي بأنه وفي ظل الأوضاع العالمية الجديدة والحرب الدائرة رحاها على أراضي القارة العجوز فضلا عن فضائح الفساد المستشري داخل الهياكل والمؤسسات الأوروبية بأن الإستقرار لم يعد السمة البارزة للإتحاد الأوروبي بل هناك قراءات وتحاليل تؤكد وجود تصدعات في ذات الكيان قد يجعله يتعرض للانهيار في أي لحظة !

تُهم بالفساد وغسيل أموال والإنتماء إلى منظمة إجرامية!

كشفت خيوط قضية الرشاوي داخل البرلمان الأوروبي قبل شهور عن أكبر فضيحة في تاريخ البرلمان الأوروبي وأسفرت عن تهم خطيرة متعلقة بالفساد وغسيل الأموال والانتماء إلى منظمات إجرامية والتي تورط فيها عدة مسؤولين كبار على غرار أنطونيو بانزيري عضو البرلمان الأوروبي السابق والمشتبه به الرئيسي في فضيحة الفساد، بالتزامن مع توقيف إيفا كايلي ورفيقها المساعد البرلماني الإيطالي الجنسية فرانشيسكو جورجي قبل شهور، كما تم إعتقال كل من المدير العام للإتحاد الدولي لنقابات العمال، الإيطالي لوكا فيسينتيني، ونيكولو فيجا تالامانكا، الذي كان يدير مجموعة حملات حقوقية، وأُطلق سراح فيسينتيني دون توجيه تهم إليه ، لكن وُجهت إلى كايلي وبانزيري وجورجي وفيجا تالامانكا، تهم بالفساد وغسيل الأموال والإنتماء إلى منظمة إجرامية، وصادرت السلطات البلجيكية، حوالي 1.5 مليون يورو نقدا إجمالا، بينها 300 ألف من منزل كايلي.

وأكد ممثلو الأدعاء أن المتورطون : “تسلموا أموالا من المغرب وعدة دول لخدمة مصالحهما داخل ردهات المؤسسة الأوروبية”، فيما كانت كايلي بمثابة “ذراعه الأيمن”، بحسب الوثائق القانونية التي اطلعت عليها فاينانشيال تايمز، والتقت البرلمانية الأوروبية بوزراء من دول عربية في بروكسل، ، كما ظهرت بشكل غير متوقع للتصويت لصالح إلغاء التأشيرات لدولة خليجية للراغبين في زيارة الاتحاد الأوروبي خلال اجتماع لجنة برلمانية لم تكن عضوا فيها.

وحضر صديقها جيورجي التصويت أيضا، برفقة مسؤول خليجي، بحسبما أكده عدد من البرلمانيين الحاضرين، موضحين أنهم وقفزوا وهتفوا بعد المصادقة على هذا القرار الذي تم تأجيل النظر فيه بعد تفجر “قضية الفساد”.

وإلى جانب إيفا كايلي وفرانسيشكو جيورجي، تضم شبكة أنطونيو بانزيري، المشتبه تورطها في قضية الفساد، كل من نيكولو فيجا تالامانكا، وهو الأمين العام لمنظمة “لا سلام بدون عدالة”، وهي مجموعة إيطالية لحقوق الإنسان، يتهمه القضاء البلجيكي بالتورط في الفضيحة لكنه ينفي ارتكاب أي مخالفات.

بالإضافة إلى لوكا فيسينتيني، نقابي إيطالي، اعتقل وأفرج عنه، اعترف بتلقيه مبلغ 50 ألف يورو من بانزيري لتمويل حملته الانتخابية لرئاسة الاتحاد الدولي لنقابات العمال، إلى جانب مارك تارابيلا، 59 عاما، عضو البرلمان الأوروبي والحزب الإشتراكي البلجيكي الذي حضر العديد من اللقاءات مع بانزيري وزار قطر مرتين، والذي ينفي ينفي ارتكاب أي مخالفات، بعد أن داهمت الشرطة منزله وطالب الادعاء برفع حصانته البرلمانية.

ومن ضمن المشتبه بهم الإيطالي الآخر، أندريا كوزولينو، 62 عاما،  عضو البرلمان الأوروبي، الذي طالب المدعون أيضا برفع الحصانة عنه، كان نائب رئيس لجنة العلاقات المغاربية الأوربية، وينفي بدوره ارتكاب أي مخالفات.

إصلاحات سريعة و سياسة تلفيق للتهم والأكاذيب

يبدو أن هذه التحركات الجديدة للبرلمان الأوروبي، ومن أجل إبعاد الأنظار عن فساد هياكله المؤسساتية، وبغية تبيض صورة ذات المؤسسة المسودة بالفضائح والرشاوي، ستعمل على إستعادة بعض بريقها المفقود من خلال مهاجمة وتلفيق أكاذيب ضد دول لا تخضع لسياستها من خلال شعارات رنانة على غرار “الديمقراطية” و”حرية التعبير والصحافة” وحقوق الإنسان من أجل تثبيت مصالحها والضغط عليها بأي شكل من الأشكال لخدمة مصالحها مما يجعلها محل اللاثقة داخل الإتحاد الأوروبي وخارجه، حيث تقول وزيرة الخارجية الإسبانية السابقة والمستشارة السابقة للمفوضية الأوروبية، أرانشا غونزاليس، إن “الفضيحة تقوض شرعية المشروع الأوروبي بأكمله”.

وقد باشر الإتحاد الأوروبي ما يؤكد أنها إصلاحات سريعة لتقويض دائرة الفساد ولطمس معالم الفضيحة والرشاوي التي حدثت، لذلك دعا زعيم مجموعة التجديد الليبرالي في البرلمان، ستيفان سيجورني، إلى ضرورة إجراء إصلاحات سريعة، وإلا ستزيد الفضيحة من الشكوك حول المؤسسات الأوروبية، مضيفا: “إذا لم نحل هذه القضية قبل الصيف، فسوف تغذي النقاشات المتطرفة الانتخابات الأوروبية المقبلة (في مايي 2024)”، مبرزا أن “البرلمان الأوروبي تخلف عن العديد من البرلمانات المحلية فيما يتعلق بقواعد الشفافية ومكافحة الفساد.”

 

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

2 × 3 =

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق