مقال رأي : يد الملك المسمـومة!

في سنة 2018 إعتمد الملك محمد السادس مناورات خبيثة من أجل فتح الحدود مع الجزائر لخروجه من الأزمة التي كان يعيشها داخليا، وكذلك لكسب بعض النقاط على الجزائر أمام الرأي العام الدولي، وفي ذات السياق كتب هذا المقال الذي كان تحت عنوان يد الملك المسمومة وقد تم تحيينه مع المستجدات الحالية لمناورات المخزن مع الصهاينة لزعزعة إستقرار الجزائر هذا نص المقال :

لا أحد من الشعبين يرغب في مواصلة هذه الحرب الباردة والمستمرة لعقود من الزمن، لكن قبل ذلك يستوجب علينا أن نتسائل وببراءة تامة، عن التداعيات والأسباب التي جعلت جارنا الملك يمد يده هذه المرة وهي لينة، طيعة، مدهونة بكلام معسول عن الجزائر، بعد سنوات طويلة من التهم الجاهزة والتصريحات النارية والتصرفات غير مسئولة ضدها، قبل أن يحدث شيء غير شكل خطاب الملك فجأة وهو ما لم نتعود عليه منذ توليه العرش ؟

خرج الملك أخيرا، فاتحا ذراعيه على مصراعيها، بشكل مفاجئ، ليطوي بذلك سنوات من الاستفزازات ضد الجزائر وكأنها لم تكن، دعيا إياها إلى حوار مباشر دون شروط مسبقة، ولم يكتفي بذلك بل قال مغتاظا “بأن العلاقات بين الإخوة بهذا الشكل “غير معقولة وغير مقبولة”.. هذه الكلمات العظيمة الصادرة من جارنا الملك، لم ترد عليها الجزائر بعد، بالرغم من أن الوزير الأول آنذاك  كان على مقربة منه في مؤتمر السلام في باريس ولم يحدث أي شيء بينهما ولا حتى لقاء جانبي !!

فعلا ..صدق “جلالة الملك” في قوله بأن العلاقات بين “الإخوة “، من غير الطبيعي بان تكون بهذا الشكل، لكن قبل ذلك لنستعرض بعضا من التاريخ القريب والبعيد بيم الطرفين .. من الذي كان يمارس العداء ضد الأخر؟، ومن كان يحافظ على مبادئ حسن الجوار والأخوة التي يتغنى بها الملك اليوم؟ ومن كان يستغل ضعف الشقيق من أجل كسر شوكته؟ ومن وقف رغم ذلك مدافعا عن مصلحة البلدين حتى في أبسط الأشياء !؟

لما خرج شقيقك متعبا ومنهكا من احتلال مدمر دام 132 سنة، بقي دائما يتذكر فضلك عليه سنوات ثورانه، واضعا ما قمت به تاجا فوق الرأس، لكنك حاولت في كل مرة بسوء تقديرك تارة وغطرستك في الكثير من الأحيان، إسقاط هذا التاج وبمحض إرادتك، وبدل أن تفرح لفرحته وتنتصر لانتصاره، تحركت في داخلك نزوات كثيرة تشبه نزوات المحتل والمستعمر!، ومنحت لنفسك كل الحق وتجاوزت مفاهيم الأخوة التي تتحدث عنها اليوم، وقفزت على كل هذه الأشياء الجميلة التي جمعتكما، فحاولت انتهاك عرضه وأرضه الذي دفع الغالي والنفيس لاستردادهما، لتتساوى مع محتل الأمس في الهدف والمسعى.. الأكيد أن ردة فعل هذا الشقيق ستكون قوية وسيدافع بكل ما يملك على كل شبر من أرضه ولما يتأكد انه يفعل ذلك من باب الحق والمبدأ والوجود، قد يقلب صفحة غطرستك ويتجاوز عنك لكنه لن ينسى ما فعلته فيه أبدا !

يصاب شقيقك”بوعكة صحية” من جديد في مساره الاستقلالي، كأي دولة في العالم، تستغل أنت تلك الظروف الصعبة وحالة الضعف المؤقتة، وتتحرك في دمائك بعض بكتيريا الغطرسة مرة أخرى، فتحاول من خلالها استعادة بعض شرفك المفقود في الشمال (سبتة ومليلية )، وكلت له تهما جاهزة لا لشيء سوى للضغط عليه وكسب بعض النقاط على حساب الوضع العصيب الذي كان يمر به، ولم تكتف بذلك طبعا بل عمدت إلى التصعيد وصفقت في وجهه بابك (الحدود) الذي غلقته بيديك، وما كان منه أن قام بنفس الشيء من مبدأ المعاملة بالمثل، ومن منطلق البادئ أظلم !

تلك اليد التي أقفلت بها باباك في وجه شقيقك ذات مرة، هي نفسها اليد التي تمدها اليوم إليه، لما تجاوز كل المحن واستعاد عافيته كاملة، بل وازدادت قدرته وقوته على حماية نفسه أمام دهشتك ودهشة الجميع..مغتاظ أنت من صمته المطبق لدعواتك غير مؤتمنة.. بقيت دائما، الشقيق المتغطرس الذي ينحاز إلى الاستفزاز الإعلامي والسياسي ، في المقابل يتمسك شقيقك ببرودة أعصاب فلاذية ويتغاضى على تصرفاتك وسقطاتك ولا يرد، وفي بعض الأحيان يستوجب أن ينهرك لإيقافك عند حدك، لما تبلغ استفزازاتك مداها فيرد بتصريحات إعلامية مثلما تفعل أنت، هنا تأخذك العزة بالإثم وتتهمه دائما بسوء الجوار وتشهد العالم على ذلك، رغم أن السوء قادم منك، وما يقوم به شقيقك ليس سوى ردة فعل طبيعية لسلوكك غير الطبيعي مع شقيق التاريخ والجغرافيا !!

وفي ظل وضعك الإقليمي والدولي البائس، على خلفية نزواتك الاستعمارية التي مازالت متجلية، في شعب أعزل “الصحراء الغربية”، حيث جعلت من إفريقيا تعيش على وقع أخر مستعمرة القارة، لم يستغل شقيقك هذا الضعف البادي فيك من أجل ضرب استقرارك مثلما فعلت أنت عدة مرات، إلا إنه متمسك دائما بمبادئ حق الشعوب في تقرير مصيرهم، وهو الموقف الذي تغتاظ له على الدوام.

وهذا لا يعني تماما أنه لن يدعمك في مساعيك خارج هذه الدائرة، حيث وفي الوقت الذي كان دونالد ترامب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، يهدد دول العالم بعقوبات ضد كل الذين لا يدعمون ملف بلاده لاستضافة كأس العالم 2026.. وفي الوقت الذي تخلى فيه حلفائك في الخليج عن دعم ملفك خوفا من ترامب.. لم يأبه شقيقك بتغريدات الوافد الجديد على البيت الأبيض، وأرتأى دعم ملفك رغم وقوف الجميع ضدك.

خسرت في الأخير الملف وكسبت شقيقك من جديد، قلنا حينها، إن المياه قد تعود إلى مجاريها من بوابة الساحرة المستديرة، فمد شقيقك يده إليك من أجل الترشح مناصفة لهذه التظاهرة الرياضية سنة 2030، لكن وبكل بساطة انقلبت على نفسك وعلى الجميع مثلما تفعل كل مرة، وفضلت أن تضع يدك في يد جلاديك.. وتكرر نفس خطأ الماضي، لكن لسوء حظك رفض جلادوك مشاركتك فتوالت خسائرك بين الشقيق والصديق وبقيت وحيدا في عزلة !.

رمي الكرة الى ملعب الجزائر بهذا الشكل، ومحاولة تبيانها للعالم على انها الرافضة للحوار والمعرقلة الرئيسية لفتح الحدود، فضلا عن محاولته لجرها إلى مستنقعه خاصة مع اقتراب المفاوضات التي ترعاها الأمم المتحدة بين المغرب والبوليساريو الشهر المقبل بحضور الجزائر وموريتانيا.. هي أحد أسباب تغير لهجة الملك تجاه الجزائرومد يده اليها، فضلا عن رؤيته لذلك التقارب الاقتصادي والتجاري بينها وبين نواقشط يشق طريق النجاح، وعلى هذا الأساس سعى الى تصدير الأزمة درءا للضغوط المتزايدة عليه داخليا وخارجيا وليس بدافع الإخوة كما أوهمنا..يدك مسمومة أيها الملك !!

  • بقلم : أحمد لعلاوي 

 

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عشرة + تسعة عشر =

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق