“الاقـتـصاد الأخـضـر”..هل سيعوض البترول في الجزائر؟ (1)

نظرا للوضع الاقتصادي والاجتماعي الصعب الذي تمر به الجزائر منذ سنوات، بسبب معضلة تراجع عائدات النفط التي تآكلت بشكل سريع خلال السنوات الماضية وبسبب أخطبوط الفساد الذي جر عشرات من الرؤوس الى السجون،يتحدث خبراء ومختصون لـ”لوطن برس”، عن بديل يستطيع أن يُعوض الذهب الأسود في الجزائر  خاصة وأن أسعاره هذه الأيام، تشهد انهيارا حادا في الأسواق العالمية، بسبب فيروس كورونا، ويتمثل في  البديل حسب المختصين في نشاطات “الاقتصاد الأخضر”، فهل تستطيع هذه الاخيرة، أن تجعل الجزائر تتجاوز الريع البترولي، نحو فضاء اقتصادي أرحب؟

منذ الاستقلال شكل البترول مصدرا تقليديا مريحا لمداخيل الخزينة، لكنه في نفس الوقت كبل فرص الإقلاع الاقتصادي المتاحة، ورهن الجزائر بعائداته التي لم تراوح مكانها منذ سنوات بنسبة 98 بالمائة حسب الإحصائيات الرسمية.

بديل اقتصادي هام

يبدو أن الدولة بدأت تفكر جديا في خلق بدائل اقتصادية دائمة، تدر أموالا على الخزينة العمومية وتحافظ على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي للبلاد من جهة، وتصون الوضع البيئي من جهة أخرى، وتساهم كذلك بصفة تدريجية في تحقيق نسبة نمو اقتصادي خارج دائرة الريع البترولي.

فأحد أبرز البدائل الاقتصادية المتاحة والتي بدأت تأخذ حيزا متسارعا في السوق الوطنية خلال السنوات الأخيرة، نشاط رسكلة النفايات، الذي يراهن عليه ليكون تعويضا حقيقيا لمرحلة ما بعد البترول في الجزائر بمعية قطاعات أخرى (الفلاحة، الصناعة، الطاقات المتجددة… ).

عائدات مالية معتبرة يمكن أن تدرها نشاطات رسكلة النفايات على الخزينة العمومية، فضلا عن مناصب الشغل التي ستخلقها، خاصة مع ارتفاع منسوب البطالة الذي بلغ مليون ونصف مليون بطال، وفق أرقام الديوان الوطني للإحصاء في 2017 .

لكن تبقى الخدمة الأكبر التي يقدمها هذا النشاط للاقتصاد الوطني والمجتمع على حد سواء هي تنقية المحيط والمحافظة على البيئة، من خلال إعادة تدوير النفايات التي تقدر بملايين الأطنان سنويا، وهي مرشحة للارتفاع أكثر مستقبلا، إذا لم يتم التخلص منها ضمن فضاء استثماري واعد يمكن له أن يخرج الجزائر من بلد ترتبط أغلب مداخليه بالذهب الأسود الى بلد يستمد عائداته المالية من نشاطات “الاقتصاد الأخضر”، التي ستساهم بدون أدنى شك في خلق الثروة والمحافظة على البيئة وتجسيد مخطط التنمية المستدامة الذي سطرته البلاد منذ 2001.

هل إهتمت التشريعات الجزائرية بموضوع البيئة؟

 

للإجابة على هذا السؤال، يستوجب علينا الرجوع الى النصوص القانونية، التي أقرت بضرورة المحافظة على البيئة منذ الاستقلال، ولعل اهم القوانين التي أصدرت في هذا المجال، إٌقرار المادة 68 من الدستور المعدل خلال سنة 2016، بأن” للمواطن الحق في بيئة سليمة، تعمل الدولة على الحفاظ عليها”، وتبقى هذه الخطوة المهمة والصريحة في الدستور الجزائري، تندرج في إطار توجه تدريجي للبلاد نحو اقتصاد نظيف، يتم فيه مراعاة صحة المواطن والبيئة التي يعيش فيها.

 لم يكن دسترة موضوع البيئة وليد سنة 2016، بل جاء على خلفية تراكمات تشريعية، منذ الاستقلال كرست اهتمام الدولة بهذا القطاع الحساس، فقد تم إصدار عدة قوانين ومراسيم تقر فعليا بضرورة المحافظة على البيئة والقضاء على مختلف مسببات التلوث.

وجاء انضمام الجزائر إلى عدة إتفاقيات دولية تخص هذا المجال ليكرس فعليا التزاماتها المحلية والدولية بهذا التوجه منذ البداية.

فهناك عدة قوانين تدعو للمحافظة على البيئة وتحقيق مفهوم التنمية المستدامة، كالقانون المتعلق بتهيئة الإقليم والتنمية المستدامة الذي صدر في 2001 والذي يهدف للحفاظ على البيئة وتثمين مختلف الأنظمة البيئية، مكافحة أسباب النزوح الريفي وإنعاش المناطق المهمشة والمحافظة على الموارد الطبيعية المحدودة كالمياه والأرضي الفلاحية والتنوع البيئي،الصحة العمومية للسكان، هذا التوجه التشريعي للدولة سترافقه بلا شك آليات لتجسيده عبر جميع المستويات بما فيها المستوى الاقتصادي، من خلال فرض عقوبات صارمة على جميع المؤسسات والمصانع والنشاطات التي قد تتسبب في جرائم بيئة، تقرها العديد من القوانين سواء في قانون العقوبات أو القانون البحري أو قانون تسيير النفايات، وتصل عقوبتها في بعض الاحيان إلى الإعدام، ولم تكتفي السلطات الجزائرية بهذه القوانين الرادعة للتلوث بل  أرفقتها بمخطط وطني لتسيير النفايات الصناعية الذي تم إطلاقه سنة 2006، الذي يهدف إلى التقليل من التلوث وإعادة تثمين النفايات الصناعية، خاصة وأن بعض الإحصائيات تشير بأن نسبة استرجاع هذا النوع  من النفايات يتراوح بين 6 و7 من المائة فقط سنويا، وهو رقم ضئيل جدا بالمقارنة مع الدول الكبرى على غرار ألمانيا التي بلغت فيها نسبة رسكلة النفايات 99 بالمائة سنويا، رغم هذه الجهود تبقى الجزائر ضمن الدول التي تمتلك أعلى معدلات التلوث في العالم خاصة في المناطق الشمالية للبلاد، حسب تصنيف لمنظمة الصحة العالمية في سنة 2016، لكن مع ذلك تواصل السلطات العمومية جهودها في مكافحة التلوث والمخلفات بجميع أنواعها، حيث شجعت الشباب للدخول إلى عالم المقاولاتية من بوابة ميدان البيئة من خلال إنشاء مؤسسات صغيرة ومتوسطة في إطار الصندوق الوطني للتأمين على البطالة “كناك “والوكالة الوطنية لدعم وتشغيل الشباب “أونساج “، حيث تساهم نشاطاتها في المحافظة على المحيط وتقضي على التلوث وتشغل ألاف العمال وتساهم بشكل أو بأخر في الاقتصاد الوطني.

ألف مؤسسة تنشط في مجال البيئة

ينشط عدد معتبر من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في إطار ما يسمى”الاقتصاد الأخضر” على غرار “رسكلة النفايات” التي بلغ عددها حسب إحصائيات للوكالة الوطنية للنفايات، 1000 مؤسسة عبر الوطن، وتعمل هذه الأخيرة على الظفر بسوق غير مستغل بشكل فعال، لتقدر قيمته المالية بـ38 مليار دينار سنويا، وفق تقارير رسمية.

ويتوقع مختصون أن يكون هذا القطاع مصدرا غير تقليديا للخزينة العمومية بمعية قطاعات أخرى، لكن تبقى هذه المؤسسات تعاني من مشاكل جمة، على غرار نقص المادة الأولية، وكذلك عدم القدرة على تسويق منتجاتها.

 

*مخزون هائل ينتـظـر التثمين

 

في الوقت الذي تراجع فيه الحديث عن عصر “الاقتصاد الأسود”، الذي يقوم أساسا على استخدام الوقود الأحفوري كالفحم الحجري والبترول والغاز الطبيعي في إنتاج الطاقة، دون نسيان تأثيراته السلبية على البيئة، بات التوجه نحو الطاقات الجديدة والمتجددة من الحتميات الاقتصادية التي تسعى اليها مختلف الدول لتحقيقها، وتعتبر رسكلة النفايات، من بين أهم نشاطات “الاقتصاد الأخضر”، الذي يعتمد على مبدأ صيانة البيئة وتنقية المحيط من الملوثات الصلبة والسائلة، والتي بلغت كميتها في الجزائر أزيد من 94 مليون طن من النفايات في السنة الماضية، لذلك تسعى الدولة إلى تشجيع الاستثمار في هذا القطاع الحيوي والنظيف، وإعادة تثمين هذا الرقم المهول من النفايات، والتقليل من مخاطر التلوث والانبعاثات الكربونية، والرمي العشوائي للنفايات المنزلية والصناعية.

يقول المدير العام للوكالة الوطنية للنفايات كريم ومان، “بأن الاقتصاد الأخضر يعتبر نشاط اقتصادي أخضر، يهدف لخلق الثروة مع الحفاظ على البيئة”، وهذا الذي تسعى إليه مؤسسات رسكلة النفايات، التي تقوم بإنتاج مادة أولية عن طريق النفايات المنزلية، منَوهًا بأن كمية النفايات في الجزائر بلغت أزيد من 94 مليون طن خلال السنة الماضية من مختلف الأنواع، مثلت النفايات المنزلية منها أكثر من 5 مليون طن و2 بالمائة منها نفايات خطيرة على غرار النفايات الطبية 4 بالمائة نفايات خاصة، هذا وينتج الصناعيين الجزائريين حسب إحصائيات الرسمية، 325.100 طن من النفايات بكل أنواعها، 50 بالمائة منها قابلة للرسكلة إلا أن نسبة ضئيلة فقط يتم استغلالها.

واعتبر المتحدث، “أن كمية ما تنتجه الجزائر من نفايات هو مصدر مستدام للمادة الأولية، فإذا قمنا بفرز النفايات فسوف نسمح بخلق نشاطات اقتصادية واجتماعية متعددة، وهذا ما تسعى إليه مؤسسات “رسكلة النفايات”، خاصة مع إرتفاع نسبة النمو الديمغرافي في البلاد خلال السنوات الأخيرة، حيث بلغ عدد السكان أزيد من 40 مليون نسمة في سنة 2017، ما يعني إرتفاع منسوب الاستهلاك ورمي النفايات في نفس الوقت، فضلا عن ارتفاع عدد المؤسسات الصغيرة والمتوسطة النشطة في مختلف المجالات التي بلغت حسب إحصائيات لوزارة العمل والتشغيل، 934.569 مؤسسة، منها 375460 مؤسسة صغيرة في إطار دعم لـ “كناك” ولـ”أونساج”في 6 سنوات (2010 -2016)، ورغم أن أرقام هذه المؤسسات الناشئة، تعكس بشكل واضح حرص الدولة على البحث عن بدائل اقتصادية حقيقية لمرحلة ما بعد البترول، من خلال حجم المؤسسات النشطة على المستوى الوطني في مختلف المجالات، إلا أن هذا سيؤدي بدون أدنى شك إلى إفراز نفايات كثيرة ومن مختلف الأصناف، لذلك راعت الدولة الجزائرية هذا الوضع وعملت على مرافقة هذه الديناميكية الديموغرافية والصناعية التي شهدتها البلاد خلال السنوات الأخيرة، من خلال تشريعات وقوانين تحمي فيها البيئة وتحافظ على ثروات الطبيعية ومستقبل الأجيال المقبلة.                                                  يتبع

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اثنان × 1 =

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق